
{ في غزوة أحد استقوى العدو وتجبّر وأطاح بالمسلمين من خلف ظهورهم ، حتّى أن المشركين أحاطوا برسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقد اجتمع حوله الكثير من الصّحابة رضوان الله عليهم يدافعون عنه ويحمونه بكل قوّتهم فمنهم من يرمي ،ومنهم من يدافع ويقاتل ومنهم من يستقبل السّهام في جسده ..و كان مصعب بن عمير وهو حاملُ لواء المسلمين من هؤلاء الّذين التفوا حول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم .. }
في بادء الأمر ..لم تكن الغلبة للمشركين بل ووقعت عليهم الهزيمة حتّى لاذوا بالفرار،وقد ركّز المسلمون هجومهم على حملة لواء المشركين حتّى قتلوهم عن آخرهم وكانوا أحد عشر مقاتلا ، فبقى اللّواء ساقطًا وشدّد المسلمون هجومهم على بقيّة النقاط حتّى هدّوا الصفوف هدّا..وحين لاذ المشركون بالفرار ، وفرّت النسوة
المحـرِّضات، وتبعهم المسلمون يضعون فيهم السّلاح، ويأخذون الغنائم ، حينئذٍ أخطأ الرُّماة ، فنزل منهم أربعون رجلاً ليصيبـوا من الغنيمة ، على الرّغم ممّا كان لهم من الأمر المؤكّد بالبقاء في أماكنهم ، وانتهز خالد بن الوليد هذه الفرصة ، فانقض على العشرة الباقية بجبل الرماة حتّى قتلهم،واستدار هذا الجبل حتّى وصل إلى ظهور المسلمين وبدأ بتطويقهم ، وصاح فرسانه صيحة عرفها المشركون فانقلبوا ، ورفعت لواءهم إحدى نسائهم فالتفوا حوله وثبتوا ، وبذلك وقع المسلمون بيـن شقي الرحى.
كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في آخر صفوف المسلمين ومعه سبعة من الأنصار واثنان من المهاجرين ،فلمّا رأى فرسان خالد تطلع من وراء الجبل نادى أصحابه بأعلى صوت إليّ عبادالله!وسمعوا صوته المشركين وكانوا أقرب إليه من المسلمين ،فأسرعت مجموعة منهم للقضاء على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قبل وصول المسلمين ،فقال صلّى الله عليه وسلّم من يردهم عنا وله الجنّة؟ أو هو رفيقي في الجنّة فتقدم السبعة من الأنصارالذين كانوا معه واحدا تلو الآخر حتّى قتلوا ،ولم يبقى حول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلا القرشيان طلحة بن عبيدالله و سعد بن أبي وقّاص فركّز المشركون حملتهم على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رغم دفاع القرشيان المستميت عن رسول الله صلّ الله عليه وسلّم ،استمر مجيء الصحابة والتفافهم حول رسول الله والدّفاع عنه وعلاجه ممّا أصابه من هجمات المشركين..
إلى أن وصل إليه صلّى الله عليه وسلّم أبو دجانة ومصعب بن عمير وعمر بن الخطّاب وعلي بن أبي طالب وغيرهم ،وتضاعف عدد المشركين واشتدّت هجماتهم واشتدّ أيضا دفاع الصحابة والتفافهم حول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وكان مصعب بن عمير حامل اللّواء فهاجموه المشركون أشدّ هجوم ،ضربوا على يده اليمنى حتّى قطعت ،فأخذ اللّواء بيده اليسرى، فضربوا عليها حتّى قطعت،فبرك عليه بصدره وعنقه حتّى قتل..وكان الّذي قتله عبدالله بن قمئة ،فلمّا قتله ظنّ أنّه قتل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، لأنّ مصعبًا كان يشبهه،فانصرف ابن قمئة وصاح :إنّ محمدًا قد مات ، وشاع الخبر بسرعة ، وبإشاعته تخفّف هجوم المشركين،إذ ظنّوا أنّهم أصابوا الهدف، وبلغوا ما أرادوا .
كان مقتل الصّحابي مصعب بن عمير الّذي حمل اللّواء حتّى بعد أن قطعت ذراعيه الواحدة تلو الأخرى بأن ثبّته على صدره وعنقه و لم يسمح بسقوطه ،إلى أن سقط في ساحة المعركة كفيلا بتخفيف هجمات المشركين لظنّهم أنهم قتلوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولكنّه أيضا أربك صفوف المسلمين وخارت عزائم البعض منهم ومنهم آخرون تشجّعوا وقالوا: موتوا على ما مات عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
إلى أن رأى كعب بن مالك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم واجتمع حوله مع ثلاثين رجلًا من أصحابه فشق بهم طريق المشركين ونجح في انقاذ جيشه المطوق وسحبه الى شِعب الجبل وقد حاول المشركون عرقلة الانسحاب ولكنّهم فشلوا وقتل اثنين منهم اثناء المحاولة، بهذه الخطة نجا المسلمون ولكن بعد أن دفعوا ثمن خطأ الرّماة ومخالفتهم لأوامر رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم.
من كتاب: روضة الأنوار في سيرة النبي المختار لفضيلة الشيخ صفي الرحمن المباركفوري.*بتصرف*
ليست هناك تعليقات: